بين الصمت والزنين تكمن حكايا م...؟
"النملة وبوزنين... حين يتكلم العمل ويسكت الأنين"
ثمة فرق شاسع بين من يخاف فيصمت ويعمل، ومن يخاف فيئن ويشتكي.
بوزنين، ذاك الذي يئن قبل أن يمسّه الوجع، يتوجع من صهد الغد، قبل أن تشرق شمسه. صوته أعلى من فعله، وهمّه سابق لأوانه، يرفع راية الخوف قبل أن تُعلن المعركة، ويتكئ على الشكوى كأنها درع يحميه من المجهول.وهو الذي سألته النملة في هزيع الليل لماذا تزن وتولول فى هذا الليل رد قائلا خايف من صهد بكره.
أما النملة، فهي كائن صغير، لكنها تحمل في صمتها حكمة الأمم. لا تئن، ولا تشتكي، بل تعدّ خطواتها بميزان الدقة، وتجمع قوتها استعدادًا لقحط لم يأت بعد. يخيفها الجوع، لا لأنه آتٍ، بل لأنها تعرف أنه إن أتى، لن ينفعها صراخ ولا نحيب.
وهي القائلة صبار والكواين فيه شديد عزم ثاريت خاطري.
وعندما مرّ عليها ملكٌ عظيم، سليمان عليه السلام، لم تصرخ خوفًا، بل حذّرت قومها بعقلٍ وبصيرة، وقالت:
"يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ، لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
فأدرك الملك النبيل قولها، وابتسم، وعلّمنا كيف يكون الإصغاء حتى لأصغر الكائنات إن كانت تتكلم بحكمة وتتصرف بمسؤولية.
في مشهد النملة وبوزنين، تتجلى مفارقة الحياة:
الأول يشتغل بصمت ويدبّر بقلبٍ عاقل.
والثاني يصرخ في الفراغ، فلا يغيّر شيئًا سوى أن يُنهك روحه.
فيا هذا الذي تسبق أنينك خُطاك، قف وتأمل
"هل تخاف لتتوجع؟ أم تخاف لتستعد؟"
فالصمت بصبر قوة اماالصراخ فهو ضعف يعلن.