-->

روايه المراه والثعبان الجزء السادس

الكاتب/ عايد حبيب جندي الجبلي 
الجزء السادس 

الرجال التي تريدينها ، فكرة جيدة لكن قريتي تبعد عن قريتنا هذه مسافة طويلة ، سيدتي نأخذ وسيلة مواصلات ، وما الحيلة التيِ تحضرينهم بها ؟ ألم تقولي لي أنك من أسرة فقيرة ؟ نعم يا فاتيكا قلت لك ذلك ، إذن هم بحاجة إلي مال فعلي سبيل المثال أنا جئت إلي هنا من أجل المال وهذه يا سيدتي هي نقطة الضعف التي نحضر بها الرجال التي تريدينها ، مادلين : وماذا ستقولين لهم يا فاتيكا ؟ الأمر بسيط جدا سيدتي مادلين ، ما هو الأمر البسيط يا فاتيكا ؟ أنا سأذهب لهم وأقول أن قريتنا تريد اليد العاملة ولذلك يأتون معي ، فكرتك جيدة يا فاتيكا خذي معكِ ما تردين من القصر ، لا فلم آخذ إلا وسيلة المواصلات ، نعم اذهبي وخذي 

معكِ بعد الحراس وخذي معكِ بعد النقود لتغريهم بها ، نعم سيدتي سأذهب الآن ، هيا رافقتك السلامة ـ فذهبت فاتيكا إلي القرية المجاورة وقد وصلت بعد مشقة طويلة في الطريق الرملية وعندما دخلت القرية المقصودة .. قام أهالي القرية باستقبالها بحفاوة فمن عاداتهم إكرام الضيف كعادات العرب والريف .. فقام رجل من أبناء القرية واسمه " ليكس " بذبح كبشا ولم يكن لديه سواه وأعده طعاما لضيفتهم وبالصدفة كان في ذلك اليوم عرس زفاف في القرية ـ فقال ليكس لفاتيكا هيا بنا نحضر عرس الزفاف الذي بجوارنا عند أحد أقاربنا ـ ومن العادات الغريب لهذه القرية في الزواج أن يقوم الزوج باختيار أربع فتيات وتقومن الفتيات بالتسابق بالجري في ميدان القرية والتي تقوم بالفوز هي التي تكون من نصيبه في الزواج ويقوم أهالي القرية بتزيينها بألواًن الطيف في جميع أنحاء جسدها وهي عارية دون أن تلبس إلا رداء في منتصف 

جسدها ـ فقالت فاتيكا لليكس يا ليكس أهذه تقاليد زواجكم ؟ فقال ليكس نعم هكذا يتم الزواج في قريتنا .. وهناك طريقة أخرى ، وما هي الطريقة الأخري ، أن يقوم الفتي الذي يرغب في الزواج من خارج القرية إلي القرية المجاورة ويتقدم لأهل الفتاة التي يرغب في زواجه منها فإن لم يقبلوه يقوم بخطف الفتاة وإحضارها إلي قريتنا وبهذا يكون قد أجبرهم علي الزواج منها ولا بد أن يرضوا بالأمر بالواقع الذي أمامهم ، يا ليكس : أريد منك أن تقوم معي بالتجول في القرية ، نعم ، هيا بنا ـ فخرجوا من العرس ليتجولوا في القرية وأثناء تجولهما في القرية تحدثت فاتيكا مع ليكس ـ فقالت له : يا ليكس أنت لك كم ابن ؟ معي غلام واحد يا سيدتي فاتيكا ، يا ليكس أنت ضايفتني ولم تسألني لماذا جئت إلي قريتكم .. ولم تسألني أنا من أي القري ؟ يا سيدتي فاتيكا هذه من عاداتنا لم نسأل الضيف إلا بعدما يأخذ ضيافته وينوي علي الرحيل وتكون طلباته مجابة ، يا ليكس أنت رجل كريم جدا وذبحت الكبش الوحيد الذي في منزلك وأنت لا تملك سواه في منزلك 

وغير كل هذا لطفك معي وزيادة كرمك وهذا جميل منك لن أنساه لك .. أنا جئت لآخذ معي رجالاً إلي قريتنا للعمل في البساتين ـ فرح ليكس فرحا عظيما ـ وقال : سيدتي فاتيكا أتأخذين ابني معكِ فنحن في حاجة لأجره ؟ فقالت فاتيكا يا سيد ليكس أنا لم آخذ ابنك معي ، لماذا سيدتي فاتيكا ؟ لا تسأل يا سيد ليكس ـ فوضعت يدها في جيبها لتعطيه نقودا فصاح ليكس وغضب غضباً شديدا ـ وقال : أأنت تريدين أن تدفعي أجر إقامتك في منزلي ورفض رفضاً شديداً ، فقالت يا سيد ليكس أنا لم أر ابنك ، نعم سيدتي فاتيكا فهو في رحلة صيد وسيأتي في المساء ، يا سيد ليكس اتركني الآن لأبحث عن الرجال بنفسي ، كيف وأنا معكِ ؟ لا .. فابتعد أنت عن هذا الأمر ، لماذا ؟ لا تسألني يا سيد ليكس فهذا أمر احتفظ به لنفسي ـ وذهبت تتجول في القرية وتقابلت مع أربعة رجال أقوياء البنية واتفقت معهم أن يرحلواً معها في الصباح .. وحل الليل وجاء ابن ليكس من رحلة الصيد وكانت رحلة موفقة واحضر معه الصيد الذي حصل عليه وأوت فاتيكا إلي سريرها ووضعت يديها تحت رأسها تفكر في طيبة وكرم ليكس وتقارن بين ما تفعله هي ومادلين من شر 

وتقول في نفسها لا مجال للمقارنة بيننا نحن وبين هذا الرجل وطيبته وكرمه المتدفق نعم هذا الرجل علمني كثيرا وجعلني في يقظة دائمة وصحوة الضمير .. وانتهي تفكيرها والدموع تنهمر من جفونها نادمة علي ما تفعله وتقول في خاطرها أنا إن لم أفعل هذا للحاكمة مادلين ستقتلني وترميني للتماسيح والكلاب فكله يهون في نظرها من اجل متعتها المزاجية المدمرة التي نزعت منا الإنسانية بسببها .. ما أعظم هذا الرجل في إنسانيته ! ما بينته لي مادلين بقتلها في البشر من أجل غريزتها الحيوانية وحل عليها الليل ونامت فاتيكا وعندما أشرق الصباح بيوم جديد علي فاتيكا بعد صحوة ضميرها في ليلة أمس بعد تفكير عميق وتأنيب لنفسها بالأفعال التي تفعلها هي ومادلين .. قالت بالفعل هذا الرجل لقنني درسا لا أنساه طول حياتي في كرمه ومحبته للآخرين بلا مقابل , فهذه هي الإنسانية .. وأثناء تفكيرها طرق الباب ـ فقالت فاتيكا : من ؟ فقال ليكس : أنا يا سيدتي فاتيكا .. صباح الخير أحضرت لك الإفطار ، شكراً لك سيد ليكس ، هل تريدين مني شيئاً آخر ؟ لا .. شكراً لك ، أستأذنكً ، رافقتك السلامة ـ فخرج وأغلق الباب .. فرآها ابنه واسمه "زنت " ـ فقال له ابنه زنت : من هذه المرأة ؟ فقال له أبوه : هذه المرأة ضيفة ، فقال زنت : ومتى جاءت هنا ؟ فقال له أبوه : منذ أن خرجت أنت للصيد ، فقال زنت : أتقصد أنها منذ خمسة أيام يا أبي ؟ فقال أبوه : نعم يا زنت ، كيف دبرت طعامهم يا أبي وهي ليست بمفردها بل معها أشخاص ؟ سأقول لك يا زنت كيف دبرت طعامهم فأنت 

لو تفقدت المنزل ما سألتني كيف دبرت طعامهم ، ماذا تقصد بكلامك يا أبي ؟ أقصد أنني ذبحت الكبش ، يا ويلتى .. الكبش الذي لا نملك سواه يا أبي تذبحه !! وماذا أفعل يا بني ؟ ذبحك للكبش فهذا بالنسبة للحم ومن أين أحضرت الخبز يا أبي ؟ سأقول لك يا زنت كيف أحضرت الخبز ، حدثني يا أبي من أين أحضرت الخبز ؟ من الجيران كل منزل أخذ منه خبزة ، يا ويلتاه كرمك يا أبي وافتضحنا في القرية ! ، يا بني هذه ليست فضيحة ، أنت أحضرت خيراً وفيراً وسنقوم بسداد كل من أخذنا منهم الخبز ونسدد ما علينا ، يا أبي الرزق الذي أتيت به سنقوم بتسديده وبعد ذلك نعود مرة ثانية للجوع ، يا بني هذه عادتي ولم استطع إيقافها ـ ودارت بينهم مشاجرة فكانت فاتيكا قد سمعت كل ما حدث ولم تخرج من حجرتها فاتخذت قراراً بأنها تذهب اليوم من منزل ليكس ـ فقال زنت لأبيه : يا أبي إنك لم تقل لي لماذا جاءت هذه المرأة إلي هنا ، سأقول لك يا بني أتت لتأخذ رجالا ليعملوا في الزراعة ، أنا أذهب معها يا أبي ، لا يا بني فهي سألتني فقالت لي ألك أبناء فقلت لها نعم وعندما علمت بأنها تبحث عن رجال فقلت لها خذي ابني معكِ فقالت لا .. وبشدة ، لماذا .. لا .. يا أبي ؟ لا أعرف السبب يا بني ، وأثناء حديثهما نادت فاتيكا للسيد ليكس .. فقال زنت لأبيه اذهب إليها .. وأنا سأذهب خارج المنزل ، فقال له أبوه إلي أين ستذهب يا زنت ؟ فقال زنت سأتجول في القرية يا أبي ، فقال له أبوه : رافقتك السلامة يا بني ـ 

فخرج زنت ودخل ليكس إلي فاتيكا ـ فقالت فاتيكا لليكس أنا الآن سأذهب يا سيد ليكس ، هل جاء الرجال الذين تم الاتفاق معهم يا سيدتي فاتيكا ؟ أنا لا اعرفهم ولم أرهم إلا مرة واحدة ، فقال ليكس سوف أنظر إليهم الآن ، يا سيد ليكس أهذا هو ابنك الذي كان يتحدث معك الآن ؟ نعم يا سيدتي فاتيكا .. بطبع أنك قد رأيته ؟ لا لم أره قط ، سوفه اخرج وأبحث لك عن الرجال الذين اتفقتِ معهم ، يا سيد ليكس خذني معك من فضلك لأتعرف عليهم ، تعالي معي ، تفضل أنت أمامي وأنا سألحق بك بعد قليل ـ وبعد أن خرج ليكس قامت هي بوضع مبلغاً من النقود لا بأس به تحت الوسادة لمساعدة ليكس لها في البحث عن الرجال وكرمه .. أما ليكس فبعد بحث كثير رجع دون أن يجد الرجال وأخذ يفكر ماذا ستفعل فاتيكا وأخيراً قال وما الذي يقلقني في هذا الأمر سأقول لها أنني لم أجد الرجال وعاد إلي منزله متعب من كثرة التجوال في البحث عن الرجال الذين تم الاتفاق معهم .. فطرق الباب ودخل فتحدث مع فاتيكا ، فقالت له ماذا فعلت .. هل وجدتهم ؟؟ فقال لا لم أعثر عليهم بعد بحث عميق ، فقالت فاتيكا ما العمل يا سيد ليكس ؟ أنا قلت لك ابحث لك ولكنك قلت لي " لا اتركني وشأني " ولم افهم سبب ذلك ، قالت فاتيكا يا سيد ليكس ربما أن تحضر لي رجالاً لا 

يعجبهم العمل فيحاول أحدهم أن يعودً من قريتنا إلي هنا فيصيبه مكروه فتسأل عنه أنت ، فقال ليكس أأنت يا فاتيكا تبعدينني لذلك ؟ نعم سيد ليكس لا .. لا تخافي من ذالك واطمئني .. وسأقوم بالبحث عن رجال .. كم تريدين من الرجال ؟ فقالت فاتيكا لو يصادفك الحظ أن تختارهم أقوياء البنية لأن العمل هناك شاق ، فقال ليكس لك ما تريدين ، فقالت فاتيكا احضر بعض الرجال ، فقال ليكس ألان سأذهب وأبحث لك ـ وذهب ليكس وظل يبحث عن الرجال حسب المواصفات التي تريدها فاتيكا وأحضرهم معه إلي المنزل فطرق الباب فدخل ليكس ـ فقال لفاتيكا ما رأيك يا سيدتي فاتيكا في هؤلاء الرجال ؟ فقالت فاتيكا نعم لقد أحسنت الاختيار جيداً والآن أسير وأنا مطمئنة فقالت للرجال هيا بنا ، فقالوا تمهلي علينا نودع أهلنا ونأتي ببعض أغراضنا ، فقالت فاتيكا : نعم اذهبوا ولا تتأخروا - فذهبوا ليودعوا أهاليهم ويحضرواً بعض أغراضهم وعندما أتوا لم يكونوا بالعدد المتفق عليه بل ينقصهم واحدا وأثناء جلوسهم ينتظرون فاتكية رآهم زنت ابن ليكس فسألهم إلي أين أنتم ذاهبون ؟ .. أذاهبون مع فاتيكا ؟ فقالوا من فاتيكا ؟ قال زنت : أأنتم لم تتعرفوا عليها ؟ فقالوا : نحن لم نعرف غير أبيك .. هو الذي جاء بنا لامرأة رأيناها في منزلكم ، فقال زنت : نعم هذه هي تلك المرأة التي أحدثكم عنها ، قالوا نحن لم نرها من قبل إلا هذه المرة ، فقال زنت : جيد جداً هذا عظيم وأنا أيضاً لم أرها قط فأنا أحافظ علي عدم رؤيتها في 

منزلنا فكان يفكر بصوت عال فسمع الرجال فسأله واحد منهم قائلا : لماذا تتحدث هكذا ؟ فقال زنت : فيما بعد ستعرف .. فأنا أريد منكم شيئا ، فقالوا : تفضل ، قال : أريد ألا يعرف أبي وفاتيكا لا تعرف أنني أبن ليكس ، لماذا ؟ لأنني أريد أن أذهب معكم وأبي لا يوافق بأن أذهب مع فاتيكا ، فقال أحد الجالسين : هذا جيد ، فقال ( زنت ) للرجل : ماذا يدور في رأسك ؟ فقال الرجل : نحن قد تغيب منا رجل .. وأنت تكملنا فتذهب الآن في أطراف القرية وإن سألنا أبوك عنك سنقول له : الرجل الذي ينقصنا خارج القرية ينتظرنا ، قال ( زنت ) نعم إنها فكرة جيدة والآن سأذهب ، فقال الرجل لزنت تفضل رافقتك السلامة - فذهب زنت وخرجت فاتيكا ومعها ( ليكس) ليطمئنا علي الرجال لتأخذهم فاتيكا وترحل فرأي ليكس رجاله ينقصهم رجل - فقال ( ليكس ) : للرجال أين الرجل الآخر ؟ فقالوا إن الرجل ينتظرنا خارج القرية ، فقال ليكس : جيد جداً .. تفضلي يا سيدة فاتيكا بالرحيل رافقتك السلامة - سالت عينا فاتيكا بالدموع لطيبة قلب هذا الرجل وذهبت فاتيكا هي والرجال لمسافة قصيرة - فصاح ليكس : وقال مهلا .. مهلا يا رجال ألم تروا ابني ؟ فقالوا له لم نره ، فقال ليكس : تفضلوا بالرحيل - وأثناء سيرهم وقد وصلوا إلي أطراف القرية وجدوا ( زنت ) وأخذوه معهم ، وعندما دخل ليكس منزله وفي الغرفة التي كانت تنام فيها فاتيكا رفع الوسادة فوجد نقوداً كثيرة تكاد تكفي بيته لمدة سنة كاملة فغضب غضباً عظيما ... ورحل الرجال مع فاتيكا وفي الطريق تساقطت عليهم الأمطار وعاق سيرهم إلي القرية وجن عليهم الليل ولكثرة الأمطار وشدة الظلام انزلقت ساق 

فاتيكا فانكسرت وتأثرت بجرح عميق وتعطلت الرحلة لمرض فاتيكا - فقال زنت : لرفاقه الذين معه ماذا سنفعل ؟ فقال أحدهم واسمه ( ربنس ) :لزنت نضعها علي العربة ونكمل سيرنا ، فقال زنت لرنبس : لقد سرنا كثيراً وتعبنا من السير ونريد مأوى كي نستريح ، فقال رنبس : يا أخي ألم تنظر إلي الصحراء أمامك ؟ فقال زنت لرنبس : ماذا سنفعل لفاتيكا والمطر شديد وتكاد السماء تمطر ثلجاً ؟ فقال رنبس : نحن نسير في طريقنا سيرا خفيفا - وبعد سير طويل وقطع مسافة طويلة في الصحراء نظر زنت أمامه علي مدي البصر فرأى نورا يخرج من كوخ في الصحراء ، فقال زنت لرنبس : انظر أمامك هل تري ما أراه ؟ فقال رنبس : نعم أرى ، فقال زنت هيا بسرعة – وعندما وصلوا المأوى وجدوا رجلا في المأوي فقام الرجل باستقبالهم ودخلوا وقد أوشك الصباح علي الظهور فجلسوا - فقال زنت للرجل ما أمسك ؟ فقال الرجل لزنت : أسمي ( أمدا ) ، فقال له زنت : أرى حولك رءوس ثعابين فما عملك يا ( أمدا ) ؟ فقال الرجل : أنا لا أعمل بل كل ما أريده هو صيد

الكاتب: عايد حبيب

عضو قصر ثقافة عبد الحميد رضوان كما كان مدير مكتب مصر اليوم العربية ومسئول عن مكتب الأهرام الآن سابقاً، وفى الوقت الحاضر هو مدير مكتب الموطنى. كما لديه كتابين منتشرين بشكل واسع في الأخبار

إرسال تعليق

أحدث أقدم
هذا الإجراء غير مسموح لحماية المحتوى.