-->

حوارية حكمة الحيوان الحلقة الثانية عشر ( 12)


حوارية حكمة الحيوان
الحلقة الثانية عشر ( 12)
 من التراث الليبي

بالحبرالليبي
ألأديب:محمد.اسويسي
مابين الصهيل والنهيق تكمن حكايا ما....؟
شبيهان رفيقان على دروب الحياة الحصان والحمار
في زحمة الرموز، وضجيج الأحكام المسبقة، تقف الخيول مهيبةً، وقد توشّحت صهيلها بالمجد، وتغنّى بها الشعراء في مواطن البطولة والحب،
اظهورها عز وبطونها كنز
خيلنا وبنات خيلنا
 بينما يتوارى الحمار في ظل الخرافات والازدراء، يتحمّل الإهانة بصمت، وكأنه خُلق ليُنسى فضله، ويُحتقر صبره.
وما بين صهيل الحصان ونهيق الحمار، قصة طويلة من الصحبة مع الإنسان، وحكاية شرف وعطاء، لا يقل أحدهما فيها قدرًا عن الآخر، وإن تفاوتت نظرات الناس.
الحصان، فارس الميدان، ورفيق الفارس، وملهم الشعراء. صهيله موسيقى العزة، وخطوه قصيدة تُروى في ميادين القتال، وفي أعراس الملوك، وعلى مضامير السباق. لم يكن مجرد دابة، بل رمزًا للفروسية والنخوة والشهامة، حتى غدا اسمه عنوانًا للكرم والقوة:
قدع الخيل من عند اوجوها
وكيد العسيفه على راسها.
لقد امتطاه الملوك، وزفّت به العرائس، وتقدّمت به الجيوش. له في الذاكرة العربية مكانة مقدّسة، لا ينازعه فيها أحد.
لكن، خلف المجد والذهب، ثمة رفيق آخر، لا تقل خدمته وفاؤه، وإن غاب عنه الشعر والمجد...
الحمار، هذا الكائن الصبور، صاحب الخطى الواثقة، والحمل الثقيل. في الأسواق، والحقول، والجبال، كان دومًا حاضرًا. لا يكلّ ولا يملّ، لا يشتكي ولا يتذمر. عاش في خدمة الإنسان، فحمل متاعه، وسقى أرضه، ونقل ماءه، ثم عاد إلى زاويته في صمت، ليُقابل في النهاية بسخرية الناس، واستهجان نهيقه، ونكران جميله.
أي ظلم هذا؟ أن يُؤخذ الحصان رمزًا للعز، والحمار رمزًا للغباء؟ أليست الحياة قد حمّلت كليهما مسؤوليات جسامًا؟ أم أن المعيار كان دائمًا في الشكل، وفي ما يحب الناس سماعه لا ما يحتملون فعله؟
لو أنصف الناس، لجعلوا الحمار سيد الصبر، وعلّموا أبناءهم أن التحمل في صمت بطولة، وأن الوفاء لا يُقاس بالصهيل، بل بخطواتٍ مثقلة لم تتوقف رغم الألم.
ولعظماء الحياة وجوهٌ كثيرة، ليس بالضرورة أن يبرق لمعانها في عيون الناس، فأحيانًا يكون العظماء أكثرهم تعرضًا للظلم، وأكثرهم صمتًا في وجه الجحود.
يرردد الناس في حالة التعرض للشقاء تفريجت الحمار عالعرس
في النهاية، يبقى الحصان تاج الفروسية، ونجم الحكايات، كما يبقى الحمار عماد الحياة اليومية، ورفيق التعب الطويل. ولكلٍّ منهما مكانته التي لا تنقصها النظرة المجتمعية المجحفة.
فلنعد الاعتبار لمن حملنا حين تعبنا، وسار بنا حين لم نجد وسيلة، سواء أكان صهيله يطربنا، أم نهيقه يزعجنا.
فما أكثر من يشبهون الحمار صبرًا ووفاءً، ولكننا لا نراهم لأننا نبحث عن الصهيل، لا عن القيمة.
ماايجيك الصك الا مالفرس الهاديه.

بالحبرالليبي
ألأديب:م.اسويسي

الكاتب: عايد حبيب

عضو قصر ثقافة عبد الحميد رضوان كما كان مدير مكتب مصر اليوم العربية ومسئول عن مكتب الأهرام الآن سابقاً، وفى الوقت الحاضر هو مدير مكتب الموطنى. كما لديه كتابين منتشرين بشكل واسع في الأخبار

إرسال تعليق

أحدث أقدم
هذا الإجراء غير مسموح لحماية المحتوى.